الأم تيريزا، وجهُ الرحمةِ في العشوائيات

“لقد عاشوا حياة الحيوانات، فلنمنحم على الأقل أن يموتوا ميتةَ البشر.”

تُحيي الكنيسة الكاثوليكية في اليوم العالمي للعمل الخيري المصادف في 5 أيلول/سبتمبر، ذكرى القدّيسة تريزا دي كالكوتا، أم الفقراء ومؤسسة رهبنة مُرسلات المحبة.

وتشهدُ كل حياتها وعملها على فرح المحبة الكاملة غير المتزعزعة، وعلى القيمة الكبيرة التي تحملها أصغر الأفعال إذا ما كانت مدفوعة بالإيمان والمحبة. ففي أواسط القرن العشرين المنغمس بالعلمانية، كانت الأم تريزا الشاهدة العنيدة على الإيمان الديني التقليدي وعرفت كيف تستحوذ بإحسان على انتباه العالم الواقع فريسة مشاغل الحياة الدنيوية. ما هو الحُب ؟
بين المُخلفات والقمامة المتناثرة فوق أكوام الصفائح المعدنية، كانت الراهبة قصيرة القامة ذات الساري الأبيض المُطرز بثلاثة شرائط زرقاء اللون، تعانق وتُقدم الغذاء وترعى جامعي القمامة المُصابين بالكُساح. وكانت تبتسم بلا كلل لجميع الأطفال، وتحنو على المرضى، وتحضن المُسنين المُحتضرين بين ذراعيها. فقالت: “إن الوباء الأكثر فظاعة اليوم ليس الجذام أو السل، لا بل الشعور بأنكَ غير مرغوب، أو مرفوض، أو هجرك الجميع.”

فيموت الفقراء وأبناء الطبقات المسحوقة في هذه المتاهات غير الصحية في لامُبالاة عامة. وكل ليلة، تتصاعد حشرجات الموت من الأكواخ الطينية. وفي إحدى ليالي شهر تموز/يونيو، انتشلت الأم تريزا امرأة تحتضرُ على الرصيف الغارق بالأمطار الموسمية وقد قضمت القوارض أصابع قدميها…


 ولِدت الأم تيريزا، واسمها الأصلي آغنيس غونكزا بوجاكسيو، في يوم 26 آب/أغسطس 1910 في بلدة إسكوبية، جمهورية مقدونية الحالية. ودخلت الدير في مدينة كالكوتا بالهند بعمر 21 عام حيثُ بدأت رحلتها الكُبرى.

ونالتْ العديد من الجوائز، بما في ذلك جائزة نوبل للسلام في عام 1979، والتي قبلتها “باسم الفقراء”. فخلال خطاب استلام الجائزة، أذهلتْ الجمهور بتلاوة صلاة القدّيس فرنسيس الأسيزي، أنشودة الحُب:

يا رب استعملني أداة لسلامك

فأزرع الحب والغفران مكان الحقد و الكراهية

وأنشر الحق و الائتلاف بدل الضلال و اللامبالاة

أيها الرب.. استعملني أداة لسلامك،

فأرني الأيمان و الرجاء محاربا الشك واليأس.

و بث النور و الفرح طاردا الظلمة و الكآبة.

لا تسمح أيها السيد بان أنصرف إلى البحث عن سعادتي و تعزيتي، دون الاكتراث بسعادة الآخرين وتعزيتهم.

أعطني أن أسارع إلى تفهم الآخرين قبل أن أطلب منهم أن يفهموني.

واجعلني أن أبادرهم بمحبتي غير منتظر منهم أن يبادلوني محبتهم وعطفهم.

 فبالعطاء يتم الأخذ، و بالإخلاء يتم الامتلاء.

إذ عندما نغفر للآخرين يغفر لنا، وعندما نموت عن الآخرين نُبْعَث بالقيامة.

وواصلت القدّيسة تريزا دي كالكوتا رسالتها حتى النهاية، من دون أن تفشل، بفضل الصلاة وخدمت الأشخاص الأكثر حرمانًا، والذين لم يعد أحد يريدهم: البُرص، والمرضى العقليين، والأيتام… “هناك شيء جميل جدًا يمكن رؤيته يقبل الفقراء مصيرهم ويعانونه مثل آلام المسيح. إن العالم يكسب الكثير من معاناتهم. »

 لكن الأم تيريزا عاشت أيضًا خلال عملها الرسولي أيامًا حالكة الظلمة وجفافًا داخليًا وإيمانيًا. فكانت تشعر بالرفض والعزلة والإهمال، على غِرار أولئك الذين ترعاهم. وبدلاً من أن يثبطها ألمها الداخلي، دفعها إلى الاتحاد على نحوٍ أعمق مع الرَّب. فكما صرخ يسوع “أنا عطشان” على الصليب، صرخت الأم “أنا عطشانة إلى محبة كل إنسان”. إنَّ عزلتها الداخلية سمحت لها بفهم عزلة الأشخاص الأكثر حرمانًا. لذا كانت تُصلي باستمرار حتى في أقصى مراحل الإرهاق.

لنُصلي إلى الرًّب مثلَ الأم تيريزا لكي يُساعد المتطوعين، ولا سيما أولئك العاملين مع جامعي القمامة في عشوائيات القاهرة من أجل أن يحافظوا على فرحٍ ثابت في مواجهة عواصف الحياة. ولاتخاذ القرار الحازم بتفضيل مصلحة الآخرين على أنفسهم. ولكي يحافظون على تواضعهم، وكرامتهم، وروحهم بيد الله.